اذا كنّا نتحدث عن الفتاة الملتزمة؛ فإنني لا أكاد أتصور فتاة أو رجلاًملتزمًا يمكن أن يكون غير داع - في مثل هذه الظروف الواقعة الآن - لأن منالالتزام أن يدعو الإنسان. ومعنى كون المرأة ملتزمة؛ أنها مطيعة لربها، والله ـ عز وجل ـ يقول
والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عنالمنكر) [التوبة:71]. فأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر؛ جزء منالتزامها، وقيامها بالدعوة - أيضًا - جزء من التزامها؛ لأن الله تعالىيقول: ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَبِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِوَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُالْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) [آل عمران: 110]،ويقول تعالى أيضًا (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًالِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْشَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّلِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِوَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَاكَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌرَّحِيمٌ( [البقرة: 143]. وقد أثبتت التجارب والأحداث الكثيرة، أن هذه الأمة -رجالاً ونساء - لديهاقدرة على قبول الحق؛ بل لديها رغبة في إيجاد الحق والتزامه، فلا عبرةبقول إنسان إنه ملتزم لكنه غير داعية، لا يمكن هذا؛ لأن الملتزم -رجلاًكان أو امرأة- هو داعية إلى الله؛ إذ إنّ التزامه يعني أنه مطيع لله،والذي أمره بالصلاة هو الذي أمره بالدعوة، وهو الذي أمره بالأمر بالمعروفوالنهي عن المنكر، ولا يمكن أن نفرق بين هذا وذاك بحال من الأحوال،وينبغي أن نعلم بأن كل صفة نتصورها من الرجل الداعي؛ يجب أن تكون أيضًافي المرأة الداعية. وسوف نتناول بعض الصفات المهمة التي تطلب من الفتاة والمرأة الداعية، كماهي مطلوبة أيضًا من الرجل الداعي: *الصفة الأولى: العلم بما تدعو إليه: يجب على المرأة الداعية أن تدعو إلى الله على بصيرة وعلى علم، فلا يمكنأن تدعو إلى شيء وهي لا تعلم هل هو من الشرع أم لا، هل هو من العبادات،أم من العادات، هل هو من الأمور الدينية، أم من التقاليد الاجتماعيةالموروثة -مثلاً-؟! والشرع واضح بحمد الله: إما آية محكمة، أوسنة ماضيـة، أو إجماع قائم، أوقول معروف مبني على اجتهاد صحيح واضح كالشمس. فلابد أن تعرف المرأةالمسلمة الأمر الذي تدعو إليه بدليله، بحيث إذا قال لها أحد: ما الدليل؟أو لماذا؟ استطاعت أن تجيبه عن ذلك. *الصفة الثانية: القدوة الحسنة: قال الله تعالى على لسان نبيه شعيب – عليه السلام - : (قَالَ يَا قَوْمِأَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِيمِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَاأَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُوَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِأُنِيبُ) [هود:88]، وفي صحيح البخاري عن أسامة بن زيد – رضي الله عنه -أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: "يؤتى بالرجل يوم القيامة فيُلقىفي النار، فتنْدَلِق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى،فيجتمع إليه أهل النار، فيقولون: يا فلان، ما لك، ألم تكن تأمر بالمعروف،وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عنالمنكر وآتيه". إذاً من الخطورة بمكان، أن يتكلم الإنسان بلسانه، ويكذب ذلك بأفعاله. يا واعظَ الناس قد أصبحتَ متَّهمًا ذ عِبْتَ منهم أمورًا أنت تأتيهـا أصبحتَ تنصحهم بالوعظ مجتهدًا والموبقات- لَعَمري- أنت جانيها فالتربية والدعوة بالسلوك أحيانًا أفضل من ألف محاضرة، وألف خطبة.. سلوكامرأة بين زميلاتها: في حسن خلقها وآدابها، ومظهرها ومخبرها، وطيبحديثها، والتزامها بشريعة ربها، وصلاحها؛ أعتقد أنه أفضل من كثير منالكلمات والمحاضرات. *الصفة الثالثة: حسن الخلق والتواضع ولين الجانب: ومن الصفات التي ينبغي أن تتصف بها الداعية: حسن الخلق، والتواضع، ولينالجانب؛ مما يحبب إليها الأخريات. ولعل غرس المحبة في نفوس المدعوات هوأول سبب لقبول الدعوة في حالات كثيرة، والأسلوب شديد التأثير في قبولالدعـوة أو ردهـا، ولا يجوز لنا أبدًا أن نتجنى على الحق الذي نحمله حيننقدمه للناس بالأسلوب الغليظ الجاف؛ بل يجب أن نعطف على الآخرين، ونحتـويمشـاعرهم، ونتلـمس همومهم، ونشاطرهم أفراحهم وأتراحهم، ولانستعلي عليهمأو نستكبر؛ فما تواضع أحد لله تعالى إلا رفعه. وقد مدح الله رسوله – صلى الله عليه وسلم – بقوله: (وإنك لعلى خلقٍ عظيم)[القلم:4] وقال: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْكُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُعَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَاعَزَمْتَ فَتــَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّالْمُتَـوَكِّلِينَ) [آل عمران: 159]. فإذا كان هذا شأن أصحاب محمد – صلىالله عليه وسلم -؛ فكيف بغيرهم من سائر الناس؟ *الصفة الرابعة : الاهتمام بالمظهر الخارجي: ومن الصفات التي ينبغي أن تتحلَّى بها الأخت الداعية أيضًا: أن يكونعندها قدرٌ من الاهتمام بمظهرها. أقول هذا لأنه قد يظن البعض أنني أدعو المرأة المتدينة الداعية أن تكونمتبذلة، بعيدة عن الاهتمام بمظهرها.. كلا، فالمظهر هو البوابة الرئيسةالتي لابد من عبورها إلى قلوب الأخريات. ومن الطَبَعي أن تتحلى المرأة، أو تبحث عن الثوب الجميل، والله تعالىقال: (أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُمُبِينٍ) [الزخرف: 18]. فكون الفتاة تنشأَ منذ طفولتها في الحلية هذا أمرطبعي، لا تلام عليه. من الطبيعي أيضًا: أن تهتم المرأة بتسريح شعرها، والرسول – صلى الله عليهوسلم - أوصى بذلك الرجل، فقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فيالمسجد، فدخل رجل ثائر الرأس واللحية، فأشار إليه رسول الله – صلى اللهعليه وسلم - بيده: أن اخرج، كأنه يعني إصلاح شعر رأسه ولحيته، ففعل الرجلثم رجع، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "أليس هذا خيرًا من أنيأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان"، فالمرأة مع بنات جنسها، من باب أولىيجب أن تعتني بمظهرها. ونحن بطبيعة الحال، لا نقبل أبدًا أن تتبرج المرأة بزينة، ولا أن تتطيبلخروجها من بيتها، لكن هذا لا يعني بحالٍ التبذل، أو أن تذهب إلىالمجتمعات النسائية في أثواب مهنتها، خاصة عندما تكون داعية يشار إليهابالبنان. *الصفة الخامسة: الاعتدال: من الصفات التي يجب أن تتحلى بها الداعية: الاعتدال في كل شيء. ومنالاعتدال: الاعتدال في المشاعر، بين الإفراط والتفريط. فنحن نجد أن بعض الأخوات تكون جافة في عواطفها ومشاعرها تجاه الأخريات:لا تتجاوب معهنَّ، ولا تبادلهن شعورًا بشعور، وودًّا بود، ومحبة بمحبة،ولا تبتسم في وجوههنَّ، وترى أن جديَّة الدين، وجدية الدعوة، تتطلب قدرًامن الصرامة، والوضوح، والقسمات الحادة، وهذا أمر- بلا شك- غير مقبول.يقول الرسول – صلى الله عليه وسلم -: "وتبسمك في وجه أخيك صدقة"، ونقولللمرأة أيضًا: تبسمك في وجه أختك صدقة؛ فالحكم عام. بالمقابل هناك من النساء ومن الأخوات، من تبالغ في إغراق الأخريات بمشاعرتصل أحيانًا إلى حد الإفراط، فتجد أن من الأخوات من لا تصبر عن فلانةساعة من نهار، فإذا ذهبت إلى بيتها بدأت تتصل بها بالهاتف، وتكلمهاالساعات الطوال، وربما خلت بها أوقاتًا طويلة، تبث إحداهنَّ إلى الأخرىمشاعرها، وهمومها، وشجونها؛ بل ربما تغار لو رأت أخرى تجالسها أوتحادثها؛ لأنها تريدها لنفسها فقط!!. كاتب المقال: سلمان بن فهد العودة